حكم إرسال ثمن الأضحية إلى فلسطين.. هيئة العلماء تجيب


أحكام فقهية – مستجاب

نشرت هيئة علماء فلسطين فتوى حول حكم إرسال ثمن الأضحية إلى فلسطين، ولك في الوقت يحتاج الفلسطينيون فيه إلى الأموال والغذاء والدواء.

وجاءت نص الفتوى على النحو التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم إرسال ثمن الأضحية إلى المحتاجين والمجاهدين في غزة وفلسطين؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

فالأصل في الأضحية أن المسلم يتقرب إلى الله تعالى بإراقة دم بهيمة الأنعام يوم العيد وفي أيام التشريق؛ إحياء لسنة الخليل إبراهيم عليه السلام، وطلباً للأجر من الله عز وجل؛ فإراقة الدم مقصودة لذاتها تعبداً لله تعالى، وقد قال سبحانه "فصل لربك وانحر" وقد أكد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بسنته الفعلية حيث كان يواظب على ذبح الأضحية في كل عيد. وعلى كل قادر من المسلمين إحياء هذه الشعيرة وإظهارها؛ باعتبارها شعار أهل الإسلام في يوم العيد، وقد قال سبحانه "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ" (سورة الحج: 34)

ولذلك نص أهل العلم على أن ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها وإن زاد؛ يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد، كالهدايا والأضاحي، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة، كما قال تعالى: "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" (سورة الكوثر: 2)، وقال تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (سورة الأنعام: 162)

وبالنظر في أصول الشريعة وقواعدها علمنا أن إقامة الفريضة أحبُّ إلى الله تعالى من التقرُّب إليه بالسُّنة، قال تعالى في الحديث القدسي (وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضت عليه) رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأن إحياء النفس يأتي في قمة الصالحات { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}  (سور ة المائدة: 32) وأنه لا يحل للمسلمين ترك إنسان يموت جوعاً؛ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى) رواه أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وهذا ما نطقت به النصوص المنقولة عن أهل العلم رحمهم الله تعالى؛ فقد روى عبد الرزاق في المصنَّف عن الثوري عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة قال: سمعت بلالاً يقول: (لأنْ أتصدق بثمنها – يعني الأضحية - على يتيم أو مغبرّ أحب إليَّ من أن أضحي بها) قال: فلا أدري أسويد قاله من قبل نفسه، أو هو من قول بلال؟

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وَالْحَجُّ - يعني حج التطوع - عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً. وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ مَحَاوِيجُ فَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَوْمٌ مُضْطَرُّونَ إلَى نَفَقَتِهِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ كِلَاهُمَا تَطَوُّعًا فَالْحَجُّ أَفْضَلُ، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَالِيَّةٌ. وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَّةُ وَالْعَقِيقَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ". مجموع الفتاوى (5/382).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: إذا دار الأمر بين الأضحية وقضاء الدين عن الفقير فقضاء الدين أولى، لاسيما إذا كان المدين من ذوي القربى". "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 /1496).

وإخواننا أهل غزة قد انتدبوا أنفسهم للدفاع عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم صامدون في نحر العدو الصهيوني الظلوم الغشوم، يعانون مسغبة من جراء الحصار الظالم المضروب عليهم؛ حتى هلك بعض أفرادهم – خاصة من الأطفال – على الهلاك، وقد تواطأ على حصارهم قوى الشر جميعاً؛ فلا يليق بالمسلمين – والحال كذلك – أن يسلموا إخوانهم إلى أعدائهم؛ بل عليهم أن ينصروهم بكل ما يستطيعون، ومن صور النصرة أن نبذل لهم أموالنا لتنفيس كربتهم وسدِّ خَلَّتهم وتخفيف اللأواء عنهم، وذلك كله من الواجب المنوط بكل قادر من أهل الإسلام.

وعليه فمن استطاع أن يدفع المال ليوكل من يذبح عنه في غزة وما كان في مثل حالها من أهل بلاد المسغبة والحاجة فله أجر الأضحية، وإن كان ذلك متعذراً لشح بهيمة الأنعام في تلك الأرض فالأفضل أن يجمع بين الأضحية في بلده والإنفاق في سبيل الله وإن لم يتمكن من الجمع بين الأمرين فعليه أن يبذل قيمة الأضحية جهاداً بماله في نصرة إخوانه، والأضحية وإن كانت من شعائر هذا الدين إلا أنها من السنن المؤكدة عند جمهور الفقهاء ومن الواجبات عند الحنفية فهي أفضل من صدقة التطوع عند جمهور أهل العلم، والجهاد بالمال في سبيل الله وتقديمه للمقاومين وأهليهم أولى وأعظم فضلا وأجرا من الأضحية لأنه فرض قطعي مجمع عليه، ومن لم يستطع تقديم الأضحية لهم فالواجب عليه أن يخرج من ماله ما يستطيع، وذلك من الجهاد في سبيل الله المتعين المفروض على كل مسلم يملك شيئا من المال.
لجنة الفتوى في هيئة علماء فلسطين، ولجنة القدس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين




  • الزيارات : 36
  • المشاهدات : 30
  • Amp : 7
i
  • التعليقات
  • الفيس بوك
  • Disqus
    جاري تحميل التعليقات انتظر من فضلك ..

    مواقع التواصل الاجتماعي

    X